الرحلة الأبدية
بقلم:هيثم عادل
"دق دق دق " "بـــــــــــــــــــــوم" استيقظت مفزوعاً علي صوت طرق شديد ثم صوت شئ يتحطم فجريت على الصالة فوجدت باب الشقة ملقي على الأرض و يبدو انه قد تحطم نتيجة لإقتحام أحدهم الشقة سمعت صوت همهمة يأتي من ناحية المطبخ فتركت الشقة مسرعاً و أسرعت ناحية شقق أولادي لأطلب منهم العون في شأن المقتحمين فلو واجهتهم وحدي فلربما يقتلوني ، ذهبت نحو باب شقة أبني الأكبر علي و قمت بطرق الباب و لكن الغريب في الأمر أنه كلما اطرق الباب لا أسمع صوتاً لطرقاتي فقمت برن الجرس و لم أستطع سماعه أيضاً و بعلو صوتي قمت بالنداء عليه و أيضاً ما من مجيب و رحت أجري علي شقق أولادي الخمسة واحداً تلو الأخر و أنادي هنا و أطرق الباب هناك و أرن الجرس في أخري و أيضا ما من مجيب.
و حينها سمعت المؤذن يؤذن لصلاه الظهر فهبطت لأصلي داعياً الله بعدما أفرغ من صلاتي أن تبدأ الأمور في التوضح لي ، وصلت للشارع و عبرته و ذهبت للمسجد الذي هو عبارة عن زاوية صغيرة أعدت للصلاة.
ذهبت لأتوضأ داخل المسجد و وجدت أحد أصدقائي يتوضأ عند أحدي الصنابير فذهبت بجواره و سلمت عليه و لكنه لم يرد و حتى أنه لم يعرني أى إنتباه و لم يلتفت إليً حتى ، أستغربت الأمر و لكنني بدأت في فتح الصنبور فأذا به يرفض أن يفتح فأنتقلت للصنبور المجاور و أيضاً رفض أن يفتح و المجاور و المجاور و هنا تذكرت أن أذكر أسم الله و قلت " بسم الله " و أنا أدير أحد الصنابير فأنفتح وحينها وجدت صديقي ينظر إلي الصنبور بإستغراب شديد لم أعلم له سبب ، توضأت و أغلقت الصنبور أيضاً ذاكراً أسم الله عليه و توجهت لأصلي ركعتي السنة .
صليت ركعتي السنة و رحت أذكر الله منتظراً إقامة الصلاة و أقام خادم المسجد الصلاة و كعادتي توجهت للأمام لأكون لهم أماماً و لكن صديقي سبقني و كان هو الإمام هذه المرة فتراجعت أنا في الصفوف و أخذت ماني بأحد الصفوف و لكني فوجئت بمن أتي ليأخذ مكاني في الصف فأنذويت في أحد الصفوف بجانب الحائط فى مكان لا يكاد يتسع لفرد و أيضاً بجوار رفوف الأحذية مما يضمن عدم قدوم أحد هنا ليأخذ مكاني أيضاً.
بدأت أصلي في الجماعة و أنهيت صلاتي باصلاة و السلام علي النبي ثم سلمت كرفقائي في الله و رحت أدعو الله أن يدخلنا جميعاً فسيح جناته شعرت بحركة غريبة في المسجد و تذكرت حينها ما حدث معي بالمنزل فخرجت مسرعاً لبيتي و دخلت شقتي و كان الباب مازال محطماًو لكنه الاّن مستنداً علي أحد الحوائط و سمعت صوت قراّناً يتلي من أحد أجهزة التسجيل بالشقة و دخلت الصالة و كان بها منظراً غريباً جداً.
و جدت بناتي و زوجات أولادي هناك ووجدت أحفادي أيضاً و تبدو عليهم جميعاً علامات الحزن كما لو كان قد مات لهم شخص عزيز عليهم و بدأت أجوب الشقة باحثاً عن أولادي الذكور و الغريب أنه لم يعيرني أى أحد من الحاضرين أنتباهاً و نظرت نحو غرفة نومي فإذا بي أجد بابها مغلق و قد كنت تركته مفتوحا و سمعت ضجيجاً يأتي من أحد الغرف فأسرعت لها و هناك و جدت أولادي يتحدثون مع أزواج بناتي فجلست بينهم و بدأت أستمع لهم فلربما يتضح كل شئ الاّن.
وجدت أبني الأصغر الحبيب يتحدث أليهم و هو يخبرهم كيف أنه و ككل يوم نزل إلي شقتي ليوقظني لنذهب للصلاة سوياً و لكنه لم يتلق أى رد فقام بكسرباب الشقة و هرع إلي غرفه والده أى غرفتي فوجدني علي سريري و قد فارقت الحياة.
أذن فقد مت حقا كنت أحاول أن أكذب نفسي منذ أن بدأت هذه الأحداث الغريبة معي أولها بدأ في حلمي عندما شعرت بأنني أسحب من جسدي و أنني أستطيع الطيران أخيراً خارج جسدي ثم توالت الأحداث عندما أستيقظت من نومي و صوت الطرق الشديد و الصنبور و صديقي و بدأت أتيقن من الحقيقة.
سرت هائماً في شقتي لا أدري ماذا أفعل الاّن و بعد قليل جاء شخص يحمل حقيبة و دخل عن أولادي و تكلم معهم قليلاً ثم توجهوا ناحية غرفتي و قام أبني الأصغر بفتح باب غرفتي و دلفت معهم إلي الداخل و هناك وجدت نفسي علي سريري و قد أبيض وجهي و أمتلأ قليلاً و بدأ الرجل يخرج ما فى الحقيبق فأذا بها صابونة و رداءاً أبيض اللون و زجاجة من المسك و لوفة و خرج جميع أولادي و بعد قليل عاد كل من أبني الأكبر و الأصغر و كان أحدهما يحمل جردلاً مملوئاً بالمياة و بدأوا بتجريد جسدي من الملابس ثم قاموا بوضع قطعة من القماش لتغطيته و شرعوا يغسلوا جسدي و أنا لا أقوي علي الكلام و حتي لو تكلمت فمن يسمعني ، أنتهوا من تغسيلي و تتطيبي بالمسك و خرجوا جميعاً و خرجت معهم بروحي و أغلقوا الباب من جديد.
و بعد قليل جاء صديقي الذي كان رفيقي بالمسجد معه العديد من عمار المسجد ليسألوا عني و عرفوا الخبر كغيرهم و أنتظروا مع أولادي و لم يطل الأنتظار كثيراً فوضعوا جسدي علي ما يشبه المحفهو غطوا جسدي بسجادة الصلاة و بدأوا في الحركة و وضعوني في عربة نقل الموتي و رأيت أصدقائي و أولادي يركبون باصا من الواضح أنهم قد أستأجروه إلا أنني وجدت أبني الأصغر قد فتح باب العربة التي أنا بها و جلس بجوار جسدي و بدأنا الرحلة.
وجدت أبني يحدثني و يحدث جسدي بكلام جميل صادق قادم من قلب عرف معني أن تفقد شخص عزيز عليك و يراح يحدثني كأنني أمامه و يهون علي الطريق حتي أنني أحياناً كنت أضحك علي كلامه معي و أرد عليه أحياناً متناسياً أنه لن يسمعني.
وصلنا أخيراً إلي بلدي التي أعرفها جيداً عن ظهر قلب و وجدتهم يحملوني إلي داخل المسجد و كان موعد صلاة العصر فقمت و صليت معهم كما فعلت سابقاً و بعد الصلاة شاهدتهم و هم يحضرون جسدي و يضعوه أمامهم و تقدم أبني الأكبر ليأمهم في صلاة الجنازة و كان أبني بالكاد يظهر صوته من وسط دموعه و أنتهت الصلاة و حملوني مرة أخري علي المحفة لملاذي الأخير و مستقري الأخير.
و قام أولادي بإنزالي إلي قبري و وضعوني علي الأرض و أسفل رأسي قاموا بوضع قالباً من الطوب و ودعني أولادي و أغلقوا علي القبر، و رحت أنظر حولي متفقداً المكان الذي اعرفه جيداً فقد سبق أن قمت بدفن أبي و عمي به من قبل و فجأه ظهر ملكان أمامي و أخذا يحاسباني قائلاً من ربك أجبت ربي الله و هل من إله سواه قالوا و من نبيك قلت محمداً خاتم الانبياء و المرسلين و بعد هذه الإجابات بدأ الملكين في إستجوابي و لكن بلهجه ملؤها الحب و الرحمة و لما فرغت من أجوبتي وجدت القبر يتحول و يتسع و يصبح فجأة جنة من أجمل الجنان في شكل لم أراه من قبل و هناك و أسفل إحدي الأشجار شاهدته و عرفته أنه أبي فأسرعت إليه.
و بدأ أبي يحدثني و يسألني عن أحوالي و أحوال أولادي و أهلي جميعاً فرحت أحدثه و أقص عليه أخبارهم الواحد تلو الأخر و بعدما أنتهينا قال لي تعال الاّن يا بني لأرشدك في رحلتك رحلتك الأبدية